الأربعاء, ديسمبر 9th, 2020 2:43 م

حاورتهما مارسيا لينكس كيلي.

أطلقَت المكتبة العربيّة للناشئة سلسلةً “القرّاء اليافعين” في تشرين الثاني/ نوفمبر ٢٠١٩، وأصدرَت كتابها الأوّل حِياكة الكلام. تتضمّن هذه المجموعة مُختارات من كتاب التنّوخيّ الفرج بعد الشدّة، اختارَها مُحرّرا السلسلة إيناس خنسه وبلال الأرفه لي، ووضعَت رسومَها المُصمّمة والرسّامة اللبنانيّة جنى طرابلسي.

إيناس خنسه باحثةٌ ومُترجمة وأستاذةٌ مُساعدة في دائرة اللغة العربيّة ولغات الشرق الأدنى في الجامعة الأميركيّة ببيروت، وهي أيضًا عضو في هيئة تحرير المكتبة العربيّة. بلال الأرفه لي، عضو في هيئة تحرير المكتبة العربيّة أيضًا، وهو أستاذ كرسيّ الشيخ زايد للدراسات العربيّة والإسلاميّة في الجامعة الأميركيّة ببيروت، كما أنّه مؤلّف الكثير من الكُتب ومُحرّرها، مِنها كتابُه فنّ الاختيار، الصادر بالإنكليزية.

تحدّثَ كلّ مِن إيناس خنسه وبلال الأرفه لي عن نشأة سلسة القرّاء اليافعين في المكتبة العربيّة، وعن النصوص التي صدرَت حتّى الآن، وعن توجّه السلسلة لاحقًا. يُمكن تحميل الكتب مجّانًا بصيغة البي دي أف (PDF) من موقع المكتبة العربيّة الإلكترونيّ. تحظى كذلك السلسلة المذكورة بدعمٍ من الأكاديميّة العربيّة الألمانيّة للعلماء الشباب.

يُمكنكم أيضًا قراءة المزيد حول هذا الموضوع في موقع الفنار للإعلام al-Fanar’s: “سلسلةٌ تُحيي نصوصًا عربيّة كلاسيكيّة للقرّاء اليافعين”، “Series Brings Alive Classical Arabic Texts for Young Readers.”

 

كيفَ بدأ هذا المشروع؟ عرفتُ أنّ جنى طرابلسي قدّمَت ورشةَ عملٍ في أيّار/ مايو ٢٠١٨، عنوانُها “حياكةُ الكلام عن الشغف، والرؤى، والحظّ: ترجمةُ نصوصٍ إسلاميّة عبّاسيّة في صورٍ”، وذلك في الجامعة الأميركيّة ببيروت، واستندَت في ورشتها هذه إلى قصّتَين اخترتُماهما من كتاب التنّوخيّ “الفرج بعد الشدّة”. هل كانت من هنا انطلاقة هذا المشروع؟

بلال الأرفه لي: دَعيني أُخبرك كيف بدأت هذه الفكرة. لطالما أحببتُ كتابًا لوداد القاضي عنوانُه مُختارات مِن النثر العربيّ. قرأتُه في مراهقتي بشكلٍ خاصّ، وأثارَ اهتمامي حقًّا في اللغة العربيّة ما قبل الحداثة. ولمّا تكون صغيرًا، لن يكون باستطاعتك الوصول إلى هذه النصوص لأنّها تظهرُ في مُجلّداتٍ ضخمةٍ، فأنت تحتاجُ إلى شخصٍ يجمعُها لك ويُصنّفُها في مختاراتٍ.

لذا، حين بدأتُ دراسة الأدب العربيّ، كنتُ كلّ مرّةٍ أقرأ فيها نصًّا يُعجبُني، أضعُه جانبًا، وتخطرُ ببالي فكرةُ جمع المُختارات في كتابٍ يومًا ما. أعدتُ نشرَ كتاب وداد القاضي لأنّ طبعتَه نفدَت وباشَرنا تدريسه في الجامعة الأميركيّة ببيروت وأماكنَ أُخرى.

ولم أُنجِز هذا المشروع قطّ حتّى جاءت إيناس إلى الجامعة الأميركيّة في بيروت. وفي إحدى مُحادثاتنا اليوميّة، أثارَ المشروع اهتمامَها، وقالَت: لِمَ لا، لنقُمْ بذلك. دَعنا ننشر هذه النصوصَ المُختارة. فأتَت بفكرة تزيين هذه النصوص بالرسوم، وكان لدى مركز الفنون والإنسانيّات في الجامعة الأميركيّة ببيروت، في ذلك الوقت، التمويل الذي احتاجَ إلى استثماره قبل نهاية العام، وهكذا تمكّنّا من القيام بورشة العمل هذه حول التنّوخيّ.

أنجَزنا ورشة العمل إلّا أنّنا لم نكن بصدد نشر هذه النصوص في ذلك الوقت. ولكن، كُنت لا أزال عضوًا في المكتبة العربيّة آنذاك، وكُنتُ أتحدّثُ مع المُحرّر العامّ للمكتبة فيليب كينيدي (Philip Kennedy) الذي كان يشكو أنّ كُتبَ المكتبة العربيّة لم تكن مُدمَجةً في الأنظمة المدرسيّة.

لذا أشرتُ إلى هذا المشروع أمامَه، وقال: دَعْنا نقوم به ونموّله. وهكذا أبصرَت هذه السلسلة النور. المكتبة العربيّة تجعلُ الأمورَ تتحقّق، وأنا مُمتنٌّ جدًّا لذلك.

ثمّ تعاقدتما مع جنى طرابلسي لتزويد الجزء الأوّل بالرسوم؟

إيناس خنسه: نعم. لا تقرأ جنى اللغة العربيّة الفُصحى الأمر الذي أثارَ حماسنا كثيرًا، لأنّنا أردناها أن تتواصلَ مع هذه النصوص، فصار ذلك جزءًا من التجربة بالنسبة إلينا أيضًا، لأنّنا نرغبُ في جذب اهتمام اليافعين الذين يشعرون بأنّهم لا يستطيعون قراءة هذه النصوص. لذا ما قمنا به هو أنّنا أجرَينا مُحداثاتٍ طويلة حول هذه القصص، وحول فكرة أنّها تحوي إمكانات إبداعيّة ليس في النصّ فحسب، بل حولها هي أيضًا، أي ثقافيًّا. لذا، هل يمكننا أن نُعيد إنتاجَ ذلك كلّه لا أن نُعيد إنتاج النصّ فقط؟

في الواقع ما فعلناه، بلال وأنا، هو أنّنا اخترنا القصص وقسّمناها، وقمنا بهذه المُحاضرات الصغيرة. سجّلنا لجنى سببَ اختيارنا لكلّ قصّة وذكرنا العنصر البارز فيها من وجهة نظرنا: هل هو مرئيّ؟ سمعيّ؟ هل هو اتّصالٌ بالشخصيّات؟ فقدَّمنا لها انطباعاتنا، وأعادت بدورها ترجمةَ ذلك، بصريًّا.

بلال الأرفه لي: عيّنّا كذلك حكواتيّةً مُحترفةً.

نعم، استمعْتُ إلى القصص على تطبيق ساوند كلاود (LAL SoundCloud)! أنا مِن أشدّ المُعجبين بشلبيّة الحكواتيّة (سالي شلبي).

بلال الأرفه لي: إنّها تُسجّلُ أيضًا هذه القصص لجمهورٍ أوسع: الأطفال قبل أن يخلدوا إلى النوم. فكّرنا كذلك في أن نُحضرَها إلى أبو ظبي لتقديم عرضٍ في معرض أبو ظبي للكتاب. ثمّ بدأت بالطبع أزمة كورونا، واضطُررنا إلى إلغاء العرض.

هل ستُسجّلُ الحكواتيّة القصص كلَّها؟

بلال الأرفه لي: نقومُ بتحميل قصّة واحدة كلّ أسبوع. بالنسبة إلى كتاب حِياكة الكلام، سجّلنا منه عشر قصص. أمّا كتاب الهوامل والشوامل فلم نسجّل منه شيئًا، لأنّه يتضمّن سؤالًا وجوابًا، فالكتاب ليس قصّةً.

نعم. استمدّ الكتاب الثاني “لمَ اشتدّ عشق الإنسان لهذا العالم” نصوصَه من المجلّد الفلسفيّ المُمتع “الهوامل والشوامل” الذي يطرحُ فيه التوحيديّ (ت ١٠٢٣ م) أسئلةً فلسفيّةً على مسكويه (ت ١٠٣٠ م). شاركتَ في تحقيق الكتاب لحساب المكتبة العربيّة، ونُشِرَ تحت عنوان “الفيلسوف يُجيب” The Philosopher Responds.

يبدو أنّه قد يُثيرُ هذا الأمر نقاشاتٍ مُدهشةً في المدارس وخارجها، لأنّها في الوقت نفسه فلسفيّةً للغاية وذات أسس متينة. حين تُرسلان الكُتب للطباعة، هل تكون مُرفقة بخطّةٍ للدرس؟

إيناس خنسه: من المهمّ كذلك أن يعلموا أنّ طرح الأسئلة ومُناقشة بعض الأفكار أمرٌ مطلوب ومُتوقَّع، أي التفكير في هذا الأدب على أنّه تحليليّ.

ولكن كيفيّة توظيفهم لهذه الكُتب أمرٌ عائدٌ إليهم. نشجّعُ في المقدّمة التفسيرات المُختلفة. ولمّا كان الجزء الأوّل مؤلَّفًا من قصصٍ قصيرة، يُمكن بسهولة أن يُدمَج في أي صفّ للّغة العربيّة أو الأدب، أو التاريخ.

هل تتبّعتُما طُرُقًا أُخرى لكيفيّة توظيف كتابَي “لمَ اشتدَّ عشق الإنسان لهذا العالم” و”حِياكة الكلام” في الصفوف؟

بلال الأرفه لي: استعملهما الناس أيضًا ككُتبٍ مدرسيّة لتعليم اللغة العربيّة كلغة أجنبيّة. على سبيل المثال، قال لي أحدُ أصدقائي، وهو أستاذٌ للّغة العربيّة في إسطنبول: أودّ أن أستعملَ الكتابَين في حصّةِ اللغة العربيّة التي أُعطيها للأتراك. وقد استعملَهما أصدقائي في الولايات المتّحدة الأميركيّة ككُتبٍ مدرسيّة قائمة على المُحتوى لمادّة الأدب العربيّ في السنة الثالثة من اللغة العربيّة.

وفي الجامعة الأميركيّة ببيروت مثلًا، لدينا صفّ فلسفة للطّلّاب الجدد. فكان كتاب الهوامل والشوامل مُفيدًا جدًّا في هذا الصفّ، حتّى وإن كانت إجابات الكتاب غير مُتّصلة بالموضوع، وخاطئةً علميًّا، هكذا كان العلم في ذلك الوقت. وتجعلُنا هذه الإجابات نتساءل كيف سينظر الناس بعد ألف عام إلى علمنا ورؤيتنا للأمور.

الأمرُ المُثير للدّهشة هو أنّنا لا نزال نطرح الكثير من الأسئلة نفسها، حتّى وإن كانت لدينا طرق واستراتيجيّات مُختلفة للإجابة عنها. عادةً، نختارُ عناوين كُتبنا من جملةٍ وردَت في الكتاب، والسؤال: “لِمَ اشتدّ عشق الإنسان لهذا العالم” كان أحد الأسئلة التي طرحَها التوحيديّ على مسكويه.

ورأينا أنّ العنوانَ مُناسبٌ، لأنّ أزمة كورونا بدأت حين كُنّا ننشرُ هذا الكتاب الذي يرتبطُ موضوعه بالنجاة. فيتناولُ سبب حبّنا لهذا العالم وتعلّقنا به، لذا قرّرنا أن نختارَ هذا العنوان.

هل خطرَ في بالكم هذا الكتاب باعتباره عنوانًا مُناسبًا للقرّاء اليافعين مذ كُنتم تعملون على تحقيقه وتحريره لحساب المكتبة العربيّة؟

بلال الأرفه لي: كلّا. ولكن كانت هناك بعض الأسئلة التي وجدناها، موريس (Maurice Pomerantz) وأنا كمُحقّقَين، أو صوفيا (Sophia Vasalou) وأنا كمُترجمَين، مُمتعة للغاية. لذا تكلّمنا معًا عليها.

وفي حين يحتوي كتاب الهوامل والشوامل على الكثير مِن الأسئلة والإجابات الممُتعة جدًّا، أرى أنّ الأسئلة أهمّ من الإجابات. وأردتُ أن أنقلَ ذلك إلى الناشئة في المدارس، أي أنّ طرحَ السؤال لا يقلّ أهميّةً عن الإجابة عنه، إن لم يكن أهمّ.

ويتضمّن الجزء الثالث مُختارات مِن كتاب النيسابوريّ “عُقلاء المجانين”، الذي سيظهرُ قريبًا على موقع المكتبة العربيّة الإلكترونيّ.

بلال الأرفه لي: نعم. ونعملُ حاليًّا على بعض الأجزاء الأُخرى. نحضّرُ كتابًا عنوانُه صداقة الذي لم نجمع مُختاراته من كتابٍ واحد. بدلًا من ذلك، سيكون مُختاراتٍ جمعناها من كُتبٍ مُختلفة.

نجمعُ أيضًا مُختاراتٍ من كتاب أخبار النحويّين. عادةً ما يكره الأولاد القواعد، وينظرون إليها على أنّها مادّة جافّة جدًّا، إنّما في الواقع هي مادةّ حيويّة للغاية، لذا هذا النصّ هو بمنزلة تكريم لهذا التقليد الفكريّ في اللغة العربيّة. وهناك نصوص فُكاهيّة جدًّا عن النحويّين أيضًا. نرمي إذًا إلى تغيير الفكرة التي ننظر بها إلى القواعد.

وثمّة نصّ تجمعه إيناس أيضًا عن النساء عنوانُه أخبار النساء، ونصّ آخر عن المُدن، وآخر عن الطبخ في القرون الوسطى، وآخر عن المُتنبّي.

إيناس خنسه: أظنّ أنّه ما نُحاول أن نقومَ به في كلّ جزء هو اتّباع نهج مُختلف. على سبيل المثال، كتاب حِياكة الكلام هو نوع مِن النصوص السرديّة القصيرة جدًّا التي تُشبه القصّة. أمّا كتاب صداقة الذي سيصدرُ قريبًا فلا نركّز فيه على الموضوع بحدّ ذاته أي “الصداقة” بل على طبيعة المُختارات وكيفيّة المزج بين الشعر والنثر، لا بل أيضًا على وجود الإسناد والمصادر المُختلفة التي نستشهدُ بها. يتفاعل الكتاب مع الشكل أساسًا، إنّما من دون أن يُهمل المعنى.

نسعى في كلّ جزء إلى الإتيان بشيء مُختلف. إذًا تهدفُ السلسلة، في نهاية المطاف، إلى بناء شيء مُعيّن مع كلّ جزء.

بلال الأرفه لي: ونعملُ مع رسّامين مُختلفين من مصر وسوريا ولبنان ومن أماكنَ أُخرى.

إيناس خنسه: على سبيل المثال، في ما يخصُّ الجزء المُقبل الذي يتناول قصص النساء، ستُنفَّذ الرسوم بأسلوبٍ هزليّ، ونعملُ على ذلك مع الرسّامة الرائعة لينا مرهج.

لينا مرهج، هذا رائع! لِمن لا يعلم، لينا من مؤسّسي مجلّة “السَمَندَل”، وهي مؤلّفة الرواية المُصوَّرة الجميلة “مُرَبّى ولبن”.

إيناس خنسه: ولا نُملي على الرسّامين ما عليهم فعله؛ فعملُنا قائم على المُحادثة. حين تحدّثتُ مع لينا بالمشروع، كانت مُتحمّسةً جدًّا، وقالت بما أنّ تاريخ النساء ليس محور الكتاب، اعتمدت الأسلوب الهزليّ (الكوميكس)، وهو شكلٌ غير سائد أيضًا.

ما نوع المهمّة التي تكلّفان الرسّامين بها عند البدء بالعمل؟

بلال الأرفه لي: غالبًا ما نُرسل الكتاب إلى رسّامَين أو ثلاثة، ونطلب منهم أن يُقدّموا لنا نماذج عن عملهم، ثمّ نختار واحدًا منهم. ولكن أحيانًا نسلّمُ المشروع لرسّامٍ مُحدّد نظرًا إلى أعماله السابقة.

إيناس خنسه: كما هي الحال في كتاب بِلَوهَر Bilawhar.

كتابٌ آخر سيصدرُ قريبًا.

بلال الأرفه لي: بِلَوهَر هي قصّة بوذا، ووُضِعَت رسومٌ لها مرّات كثيرة وفي ثقافاتٍ مُتعدّدة، في أكثر من ستّين لغة مُختلفة، بينما نعمل هنا على رسوم عصريّة تُحاكي النصّ أيضًا.

إيناس خنسه: وأعطَينا الرسّام المصريّ وليد طاهر قصيدةً للمُتنبّي يقول فيها الشاعر إنّه فقد الأمل وكلَّ شيء يملكه. وحوّلَ وليد القصيدة إلى عملٍ غنيّ بالألوان والمرح، فدهشَتنا قدرتُه على قراءة القصيدة بهذا الشكل.

ثمّة فنّان آخر مُهتمّ بالمشروع، لكنّه مهتمّ بالتأويل. لذا سنسيرُ أيضًا في هذا الاتّجاه من المُرافقة التجريبيّة. فمثلا نفكر بمشاركة كِنان العظمة وكيفورك مُراد، الذين يعزفان الموسيقى ويقدّمان ما يشبه الرسوم الحيّة.

نخطّط كذلك، بلال وأنا وسحر عسّاف، لدورةٍ مُشتركة في الأدب والأداء في الجامعة الأميركيّة ببيروت. وسيشكّل كتاب حِياكة الكلام جزءًا من ذلك. سيكون مُتاحًا، وسهل المنال، ومرنًا لاستعماله بطُرقٍ مُختلفة.

بلال الأرفه لي: غالبًا ما يظنّ الناس أنّ هدف السلسلة هو إحياء هذه النماذج. ولكن بالنسبة إليّ، ليس الأمر كذلك. أرى أنّ الهدف يكمن في كيفيّة تفاعلنا مع هذه النصوص وتصرّفنا بها الآن. هذه النماذج موجودة، ولكن ماذا نفعلُ بها؟ ماذا نفعلُ بتراثنا؟ كيف نتفاعل معه؟ كيف نجعلُه ذا صلة بالواقع؟ هل فعلًا نحتاج إلى جعله ذا صلة بالواقع؟

إيناس خنسه: الأمر الذي أدركتُه في نشأتي بسوريا، والآن كوني في لبنان، هو أنّ الأدب العربيّ الكلاسيكيّ مُرتبطٌ بأمورٍ كثيرة، إلّا أنّه غيرُ مُرتبط بكونه مساحةً للتفكير الإبداعيّ والتجريبيّ. لذا أظنّ أنّ الفكرة الأساسيّة لكلَينا هي أن تكون سلسلة الكُتب هذه تجريبيّة.

لهذا السبب نحن مُتخصّصان في القرون الوسطى، لأنّ هناك غنى وإمكانات في هذا المجال تستطيع دومًا التفاعل معهما وقراءتهما بأساليبَ جديدة.

هذا ليس تراثًا نرتبطُ به. إنّه تراثنا، فإمّا نُحييه، وإمّا نقرأه بشكلٍ جديد. وينطبقُ الأمر نفسُه على الأولاد.

اختبرتَ هذه النصوص مع بنات أشقائك، بلال.

بلال الأرفه لي: صحيح. غالبًا ما أعرض هذه النصوص على أبناء إخوتي وبناتهم، وأسألهم: ما رأيكم؟ أي نصّ أعجبكم؟ وضعَت إحدى بنات أخي رسومًا لهذه النصوص. لجأنا إليهم أحيانًا لاختيار غلاف الكتاب، لأنّه يجب أن يكون لهم رأي في ذلك، فالكتاب مُخصّصٌ لهم، غالبًا، لفئتهم العمريّة.

لاحظتُ في أثناء نشأتي بلبنان أنّ هناك الكثير من كُتب الأطفال. هناك أيضًا الكثير من الروايات أو غيرها ليقرأها الراشدون. ولكن هناك كُتب نادرة تستهدفُ القرّاء المُراهقين. وفي اللغة العربيّة، هذا هو المكان الذي تخسر فيه هؤلاء التلاميذ، هؤلاء القرّاء للعربيّة. ينتقلون إلى قراءة هاري بوتر Harry Potter، أو إلى جميع أنواع النصوص التي تُخاطبهم، ومن ثمّ تصعبُ إعادتهم إلى اللغة العربيّة.

قرأتُ مؤخَّرًا أطروحةَ دكتوراه حول الأدب العربيّ للمُراهقين وعنهم من إعداد سوزان أبو غَيداء، وأشارَت فيها الباحثة إلى أنّ عددًا كبيرًا من الأساتذة العاملين في لبنان لا يعرفون ما هو مُتوفّر في أدب المُراهقين. فكيف يمكنكما الوصول إلى الأساتذة بهذه النصوص؟

بلال الأرفه لي: هناك أمر واحد أودّ التشديد عليه للأساتذة، ألا وهو توسيع فكرتهم عن الشكل. فهو لا ينحصرُ في الخرافة فحسب، أو ألف ليلة وليلة. ينبغي أن نُلقي الضوء على أدب الرسائل، مثلًا، أو فنّ المقامة، والفرج بعد الشدّة، والحكم، مثلًا.

إيناس خنسه: تتنوّع الفنون في أدب القرون الوسطى. يقول الناس “الأدب الكلاسيكيّ”، ثمّ يتوقّفون عنده.

تتمثّل فكرة السلسلة أيضًا في إبراز هذه الفنون كلّها. يركّز كلّ جزء على فنّ مُختلف، وأظنّ أنّه في لبنان تحديدًا هناك فجوة حادّة بين “كلاسيكيّ” و”حديث”. والفكرة من السلسلة أيضًا هي أنّه يجب ألّا نقع في هذا الخطأ مع الأولاد الذين يكبرون ونقول لهم إنّه يتعذّر الوصول إلى هذا الجزء من ثقافتكم لأنّه بطريقةٍ ما غير متّصل بحياتكم.

بلال الأرفه لي: هذه مسألة تتكلّم عليها إيناس في الحلقات الدراسيّة التي نُديرها. لا نصنّف أنفسنا مُتخصّصين في أدب ما قبل الحداثة. أقفزُ في صفوفي إلى الأدب الحديث وأدرّس كذلك النظريّات. لا أُلقي مُحاضرة عن أدب ما قبل الحداثة وأُخرى عن الأدب الحديث. كلّا. لا أفكّر بهذه الانقسامات؛ بل أنظرُ إليها على أنّها سلسلة مُتّصلة واحدة.

ففي الجزء صداقة الذي أنجزناه وتُرسَمُ رسومُه حاليًّا، نضعُ آيةً قرآنيّة، ثمّ حديثًا، ثمّ مثلًا، ومن ثمّ قصيدةً، ورسالةً، في حوارٍ مع بعضها البعض. وهي مساحة تلعبُ فيها هذه الأنواع كلّها معًا.

سيكون الجزء “صداقة” الكتاب التالي؟ الكتاب الرابع في السلسلة؟

بلال الأرفه لي: تُنفّذ رسومه حاليًّا، نعم، أظنّ أنّه الكتاب التالي.

كيف تُصنّفون الكتب من حيثُ النطاقات العمريّة؟ هل هي تستهدفُ فئات عمريّة مُختلفة؟

إيناس خنسه: نُحاول مع كلّ كتاب أن نفكّرَ في سنّ مُحدّدة. فعلى سبيل المثال، في كتاب لِمَ اشتدّ عشق الإنسان لهذا العالم، الفئة العمريّة المُستهدفة هي ربّما 13 وما فوق.

قد يكون كتاب أخبار النحويّين موجّهًا إلى القرّاء الأصغر سنًّا. فنلعبُ بالنطاق قليلًا ونجعله متنوّعًا كذلك.

ويبدو أنّ الرسوم في كتاب “حِياكة الكلام” مُصمّمةً أيضًا لجمهورٍ أصغر بقليل مِن جمهور كتاب “لِمَ اشتدّ عشق الإنسان لهذا العالم”؟

إيناس خنسه: يُمكنني القول لسنّ التاسعة.

بلال الأرفه لي: أظنّ ذلك، ولكنّ الناس سيفسّرون الكتاب بطرقٍ مُختلفة. فكتاب حِياكة الكلام مثل كتاب كليلة ودمنة، إذ إنّه يُناسبُ الفئات العمريّة كلّها. وزّعَ أبناء إخوتي وبناتهم الكتاب على أقرانهم في المدارس، واستمتعوا بقراءته. انتشرَ الكتاب على نطاقٍ واسعٍ في لبنان كما أرسلنا نسخًا مِنه إلى المغرب وسوريا والأردنّ. أعطته كذلك أمّي إلى أصدقائها الذين يبلغون من العمر خمسين سنة وما فوق، واستمتعوا جميعهم بالكتاب. لذا هو مُوجّهٌ إلى الفئات العمريّة كلّها.

ثمّة جانب آخر في هذه الكُتب وهو أنّ المقدّمات قصيرة، وخفيفة جدًّا في الحواشي. برأيكما، ما نوع السياق الذي تحتاجُ إليه هذه النصوص- والذي لا تحتاجُ إليه؟

بلال الأرفه لي: هناك شيء واحدٌ لم يُعجبني في كتاب وداد القاضي مُختارات من النثر العربيّ، وهو أنّها قدّمَت مجموعةً مِن الأسئلة للأساتذة ليطرحوها بدورهم على تلاميذهم في الصفّ. عندما كنتُ أدرّس هذا الكتاب، لم أطرح هذه الأسئلة على تلاميذي. أوّلًا، اهتماماتي مختلفة عن اهتمامات الكاتبة. ثانيًا، تتصّلُ أسئلتها بحقبة الستّينيّات والسبعينيّات من القرن العشرين، لأنّها كانت الأسئلة المطروحة في ذلك الوقت. أسئلتي مُختلفة لأنّ الأنواع التي أقرأها مُختلفة- ولأنّ عالمي مُختلف.

لم أرغبْ في ربط هذه الكتب بفترةٍ مُحدّدة، ولم أشأ أيضًا أن أفرضَ أسئلتي على القرّاء. كانت الفكرة حول كيفيّة التفاعل مع هذه النصوص بطرقٍ مُختلفة، لا إعطاء خطّة درس مُحدّدة.

إيناس خنسه: أودّ أن أُضيف أمرًا مُهمًّا قرّرناه بلال وأنا منذُ البداية، وهو ألّا نمسّ شيئًا في النصّ. أعدناه إلى الحياة كما هو. فيكون تدخّلنا في عمليّة اختيار النصوص، وهذا هو الحال أيضًا في مختارات العصور الوسطى.

تجدُ أحيانًا أنّ هذه النصوص تغيّرت؛ إذ يُضيفُ إليها الناس، ويختصرونها. أمّا نحن فلم نفعل ذلك.

بلال الأرفه لي: لا يتعلّق الموضوع بإعادة كتابة أدب عربيّ كلاسيكيّ. يظنّ بعض الناس: آه، يُشبه ذلك “شكسبير حديث”. لا، ليس هذا مشروعنا. لا نُريد تغيير لغة هذه النصوص. لسنا ضدّ مشروع كهذا، ولكن ليس هذا هدفنا.

إيناس خنسه: لأنّ الفكرة تكمن في توسيع نطاق توظيفنا للّغة، وفي كيفيّة تفكيرنا من خلال الأدب.

بلال الأرفه لي: اقترحَ أحد الأساتذة في جامعة نيويورك بأبو ظبي، حيثُ يتمّ توزيع النصّ أيضًا، إضافة حواشٍ للكلمات الصعبة. ولكنّنا حاولنا الإبقاء على الحدّ الأدنى منها، لأنّه، في نظري، لستَ مطالبًا بفهم كلّ كلمة في النصّ. أنا أستاذ لغة عربيّة ولا أفهم كلّ كلمة في النصّ.

حينَ أقرأ باللغة الإنكليزيّة، لا أفهم كلّ كلمة في النصّ، ولكن لا يزال بإمكاني تخمين المعنى، وأستطيع فهم النصّ السرديّ. أردتُ أيضًا أن يتعلّم الأولاد مفردات جديدة بهذه الطريقة، أي بدون الحاجة إلى شرح كلّ شيء لهم في الحواشي.

نعم، إنّها طريقة مُختلفة جدًّا لتعلّم المفردات. تكون إحدى الطرق بتطابق كلمتَين من خلال تعريف معجميّ. أمّا الطريقة الأُخرى فطبيعيّة أكثر، وتكون من خلال السياق.

بلال الأرفه لي: لا نُحرّك لهم أيضًا كلّ شيء. نعم، نلجأ إلى التحريك في كتبنا أكثر ممّا تفعلُه كتب المكتبة العربيّة عادةً، وصحيحٌ أننا نستعمل علامات الوقف في كتبنا أكثر من كتب المكتبة العربيّة الأخرى. لكنّنا نحاول أيضًا الإبقاء على الحد الأدنى منها.

يجب كذلك أن تساعد الرسومُ الناسَ في فهم النص. لذا يكمن الأمر في التفاعل بين النصّ والصورة.

إذًا أنجزتما حتّى الآن ثلاثة كُتب. يأتي من بعدها كتاب “صداقة” وكتاب “المتنبّي”.

بلال الأرفه لي: وأخبار النحويّين، وأخبار النساء، وبِلَوهَر.

كم كتابًا من هذه الكتب تأملان إنتاجه في السنة الواحدة؟ وكم كتابًا من هذه الكتب إجمالًا؟

بلال الأرفه لي:  ثلاثة كتب أو أربعة في السنة.

هناك بعض الكتب التي لم تتجسّد بعد. لدينا أفكار ونصوص، لكنّنا لا نجد رسّامين لها، لذا فهي متروكة على الرفّ. أفكّر في أن أجعلَ السلسلة من عشرة كتب، لكنّك لا تعرف أبدًا ماذا يُمكن أن يحدث. بمجرّد أن نصل إلى الكتاب العاشر- الأمر الذي سيتمّ بسرعة كبيرة- قد أشعر العامَ المقبل بأنّي أريد المُتابعة، لم أنتهِ بعد.

إيناس خنسه: نفكّر أحيانًا في الأصدقاء أو الباحثين، ونظنّ أنّهم يستطيعون تولّي أجزاء معيّنة أو أن يكونوا محرّرين ضيوف. إذًا السلسلة بمنزلة طفلٍ لنا، ولكن في مرحلة ما، سنسمحُ له أن يكون شاملًا على قدر الإمكان، لمواصلة نموّه.

نتعاونُ حاليًّا مع نوال نصر الله التي حرّرَت وترجمَت مخطوطات عن الطعام من العصور الوسطى. ستنمو السلسلة في هذا الاتّجاه- وستكون تعاونيّة.

لديكما مشروع عمل مع نوال نصرالله! ترجماتُها ومدوّنة الطعام الخاصّة بها مُذهلتان على حدٍّ سواء.

بلال الأرفه لي: ضربتُ لإيناس مثلَ كتاب [الوصلة إلى الحبيب] موجودٍ في المكتبة العربيّة، لم أجد أي فائدة في اختيار نصوص منه، وقالت لي: ما الذي تقوله؟ ابن شقيقي مهووسٌ بكُتب الطبخ!

قد نظنّ أنّنا نعرف ما يريد المُراهقون قراءته، لكنّ المراهقين يفاجئوننا طوال الوقت باهتماماتهم.

إيناس خنسه: اللحظة التي أخبرتُ فيها ابنَ شقيقي أنّه منذُ ألف عام، في العالم العربيّ، وفي تراثنا، كان الناس يألّفون كتيّباتٍ عن الطبخ، بدأ يسأل: هل استخدموا السبانخ؟ هل استخدموا هذا؟ هل استخدموا ذاك؟ سيكونُ هذا الكتاب جزءًا مُثيرًا للاهتمام، ونعرفُ رسّامًا رائعًا سينفّذُ لنا هذا العمل تصويريًّا.

متى سيُبصرُ هذا العمل النور؟

إيناس خنسه: العام المُقبل. ٢٠٢١.

يبدو أنّكما اتّخذتما من هذا العمل وظيفة بدوامٍ كامل!

بلال الأرفه لي: حسنًا، يكون أحيانًا العالم المُحيط بنا مخيّبًا للآمال. هناك أزمة كورونا، والوضع الاقتصاديّ في لبنان. يبدو هذا المشروع ضربًا من الرفاهية الآن في لبنان. ويذكّرني بأنّ عملي ذو قيمة ويمكن أن يكونَ له تأثير في حياة الناس.

إيناس خنسه: أشعرُ بأنّني محظوظةٌ حقًّا، لأنّ لدي وظيفة تُخوّلني القيام بما أحبّه، لكنّني مُحاطةٌ أيضًا بأُناسٍ رائعين. وكلّ مرّة نلتقي فيها، نضعُ خطّةً جديدة. ويسرّني أيضًا أن أفكّر في أنّ ما ننجزه في أدب العصور الوسطى صارَ متاحًا.